… ولْيØذر٠بليَّةَ ØبÙÙ‘ الرياسة ورعوناتها!
http://saaid.net/Doat/mishari/4.htm
بسم الله الرØمن الرØيم
كثيرةٌ هي العلل النÙسية المØرÙّكة للرؤى والمواقÙØŒ بل لا يكاد ينÙÙƒ رأي عن باعث Ù†Ùسي، وإنما الشأن ÙÙŠ ÙƒØ¨Ø Ø§Ø³ØªØ·Ø§Ù„ØªÙ‡ Øتى لا يغلبَ مادَّةَ العقل ÙÙŠ بنائه وتوجيهه.
وبقدر كثرة هذه العلل ÙƒÙŽØ«Ùرت الأدوات الكاشÙØ© لها، وهكذا .. Ùما خلق الله داءً إلا خلق له دواءً، وبØجم Øاجة الناس لمطلوب٠يÙكرÙÙ… الله تعالى عباده بكثرة الطرق الموصلة إليه.
ومن أشر٠كواش٠الشÙّعَب النÙسيَّة المتخللة للرؤى: كاشÙ٠التناقض وعدم الاطراد .. Ùبه تنجلي Øقيقة المادَّة المستعملة ÙÙŠ صناعة الرأي، وهذا الكاش٠يستلزم بَصَرًا بØال المتكلم، ومن ثم الاستعانة على كش٠نÙسيَّة آرائه Ù…ØÙ„ÙÙ‘ البØØ« من خلال تØسÙّس٠الاطÙّراد وقياس مستواه ÙÙŠ مجموع مواقÙÙ‡.
ما علاقة التصدÙّر بهذه التقدمة؟ وأين هو طالب٠العلم؟
نسمع كثيرًا عن Ùضيلة التأنÙّي ÙÙŠ تلقي المعرÙØ© وضرورة التريÙّث ÙÙŠ بثÙّها ونشرها بين الناس، Ùلا يمرÙÙ‘ على طالب العلم الهلال Ùˆ الهلالان إلا وقد طرق سمعه الكثير من الوصايا ÙÙŠ ذلك، وصÙبَّت ÙÙŠ أذنيه مياه الآثار والأقوال الناهضة بهذا المعنى، وهذا معنًى Øسن .. لو Øملته عقولٌ تØترم الاطÙّراد!
كي٠ذلك؟
ترى رجلًا من الناس ÙŠÙدعى للØديث أمام جملة من طلاب العلم الصاعدين عن رÙع الهمم والتشبه بالسل٠الماضين ÙÙŠ جدÙّهم .. Ùيأخذ ÙÙŠ Øرث مراجعه، ولملمة أوراقه، أو يكلÙّ٠سكرتير مكتبه بذلك كما يصنع كثيرٌ من الأشياخ (والغرض هنا بيان٠واقع٠لا إقرارÙÙ‡) .. ثم إذا Ù…ÙŽØ«ÙŽÙ„ أمام مخاطَبيه الشباب Øدَّثهم عن الإمام البخاري (256هـ)ØŒ وكي٠أنه وضع التاريخ الكبير وعمره ثمانية عشر عامًا، واستنهض هممهم بالتÙتازاني (792هـ) الذي وضع Ø´Ø±Ø Ø§Ù„Ø¹ÙزÙّيَّة ÙÙŠ التصري٠وهو ÙÙŠ بØر السادسة عشرة من عمره، ثم ثلَّث بعبدالرØمن الأخضري (953هـ) الذي نظم السلم المنورق ÙÙŠ المنطق وهو ابن Ø¥Øدى وعشرين عامًا، ونظم الجوهر المكنون ÙÙŠ البلاغة وهو ابن ثلاثين .. ولئلا ÙŠØسÙّوا بÙارق الزمان بينهم وبين البخاري والتÙتازاني والأخضري يأتي بنموذج قريب، وليكن العلامة السَّعدي (1376هـ) الذي نظم القواعد الÙقهية وطبعها ووزعها وهو لم يبلغ العشرين، أو ليأت٠بالعلامة الØكمي (1377هـ)ØŒ Ùينبئهم عن تأليÙÙ‡ للسلم والمعارج وهو ÙÙŠ أواخر عقده الثاني من عمره.
Ø«ÙÙ…ÙŽÙ‘ ..
تأتيه دعوة أخرى ليتØدث أمام مجموعة أخرى عن هضم النÙس، وخطر التصدر، Ùيشرع ÙÙŠ الØرث واللملمة، أو تكلي٠السكرتير – على الخلا٠السابق، وهو خلا٠تنوع على كل Øال – ثم يأتيهم متØدثًا عن Ùضيلة التصدر بعد الأربعين، ويزلزل مجلسهم بأقوال مخيÙØ© عن Ùساد نية Ù…ÙŽÙ† Øدثته Ù†Ùسه بالجلوس للناس قبل أن تنبض ÙÙŠ رأسه شرايين٠الشيب، وكي٠أن ذلك من Ù…ØÙ‚ بركة العلم وتعريض النÙس لورطات الرياء، ناهيك عن تلبÙّس هؤلاء المبكÙّرين ÙÙŠ التصدر بالعجب والغرور والاعتداد بالنÙس وما شابهها، وهو ÙÙŠ سياق Øديثه هذا يقرأ ÙÙŠ عيون مجالسيه سؤالًا منطقيًّا، وهو: هل هذا التØذير صادقٌ Øتى على المتأهل؟
Ùيبادر بالإجابة بأن هذا التØذير لا ينبغي أن يكون له استثناء، Ùكل الناس سواسية ÙÙŠ ضرورة مباعدة هذه المهالك.
لم يتنبَّه صاØبنا إلى وجود Ø£Øد طلاب العلم ممن Øضر مجلسه الأول، ولما Ø£ØªÙŠØ Ù‡Ø§Ù…Ø´ÙŒ للسؤالات، تقدم هذا الطالب بسؤاله الآتي:
Ø£Øسن الله إليك يا شيخ، ونÙعنا بعلومك، انتÙعنا بØديثك كثيرًا، لكن ماذا نصنع بالبخاري والتÙتازاني والأخضري والسعدي والØكمي؟ هل كان ما Øدثتنا به ÙÙŠ مجلس٠سل٠نَمذجةً للاستثناء، أم كان عرضًا لمشاهد الهالكين؟!
ولك أن تتخيَّل ما شئت من الجوابات الململمة لطيو٠الخجل والØيرة ..
هذا التناÙر بين Øديث المجلسين كان من الممكن٠إØكامÙÙ‡ بإنزال ÙƒÙّل معنًى من العط٠أو الصر٠منزلَه اللائق به، لكنَّ العقل توارى Ù„ØµØ§Ù„Ø Ø¨Ø§Ø¹Ø«Ù Ù†ÙسيÙØŒ أو ÙلنقÙلْ: إن الطرØين وإن كانا صØÙŠØين ÙÙŠ ذواتهما Ùإن الذي ناÙر ما بينهما هو الØبل الواصل بينهما، وهو ما يمكن أن نسميه: (Ù†Ùسيَّة المعدّ)ØŒ وغلبة هذه النÙسيَّة تØرÙّض المدعوَّ للØديث أمامَ جمع٠إلى جمع٠كل ما يمكن أن تÙملَأَ بها دقائق الكلمة، دوى وعي٠بمدى اتساقها مع المنهج العام.
وعليه Ùتأشيرة تصدÙّر طالب العلم ليست إذًا متعلقة بـ (مدى التأهل)ØŒ بل هي متعلقةٌ بـ (Øضور مجلس)ØŒ Ùهنيئا للØاضرين الأÙÙˆÙŽÙ„!
*****
رجلٌ آخر يرعى مؤسسة علمية، أو يدير مجموعة معرÙية، وبين يديه طائÙØ©ÙŒ من طلاب العلم الواعدين، Ùيعقد لهم جلسات٠وبرامجَ تأهيليةً، Øتى إذا ما اجتازوا المراØÙ„ التي رسمها لهم منØهم تأشيرة التصدر.
ÙÙŠ Øين نراه يلمز طلاب العلم المتصدرين لنÙع الناس الخارجين عن Ù…Øيط عباءته بالانجرا٠مع Øظوظ النÙس، والانسياق مع شهوة التصدÙّر، وليس من Ùارق٠بينهم وبين المجلَّلÙين بعباءته إلا نوال تأشيرة التصدÙّر، التي هي هنا (تأشيرة العباءة)ØŒ والنÙسيَّة المسيطرة هنا (Ù†Ùسيَّة المتبني)ØŒ ولا علاقة لشيء من ذلك – لا تأشيرة العباءة، ولا Ù†Ùسية التبني – بمدارك العقل البشري، بل هي مجرَّد٠أخلاط٠نÙسيَّة٠رديئة.
*****
رجلٌ ثالثٌ شديد٠اللصوق بتخصصه، كثير٠اللهج به، والمناÙØØ© عنه، تراه يسد كل ذرائع Ùساده بÙرض رسوم جمركية على الدخول Ùيه ابتداء، ثم التوكيد على عسر الØديث عنه Ùضلًا عن الكتابة Ùيه، ÙالتصدÙّر عنده ليس متاØًا إلا لخاصَّة الخاصَّة، والتأشيرات الممنوØØ© لا تتجاوز أصابع اليد الواØدة .. ÙÙŠ Øين تراه مشاركًا ÙÙŠ الØديث عن سائر العلوم، وقد تكون له كتاباتٌ Ùيها، وإذا رأى بعضَ طلبة٠العلم الكَتَبة٠ÙÙŠ غير علمه وقÙÙŽ مشيدًا بهم، Øاثًّا لهم على المزيد، Ù…ØرÙّضًا على الجرأة البØثية وعدم الركون إلى النتائج المسبقة، لكن .. إيَّاهم وتخصÙّصَه المجيد!
وأنا Øين أشاهد مثل هذه المÙارقة لا أكلÙÙ‘Ù Ù†Ùسي عناء العقلنة، ولا رَهَق اقتناص صÙÙŠÙود الاطراد، ÙÙ€ (Ù†Ùسيَّة المتخصÙّص الغَيÙور) هي الناشطة ÙÙŠ هذه الØال، أما خلايا العقل ÙمتلØÙÙ‘ÙØ© بمروط النوم.
ثم إنَّ لهذه النÙسيَّة تبعات٠أخرى جديرةً بالرَّصد لظراÙتها، ومنها – وألتمس عذرك على هذا الاستطراد، لكنه Ù…Ù„ÙŠØ – أني كنت يومًا ÙÙŠ مجلس Øوى Ø£Øد المتخصصين ÙÙŠ علم التÙسير، وجرى الØديث عن تÙسير الطبري، ÙطرØت٠سؤالًا عن مختصرات هذا التÙسير والموازنة بينها، Ùما كان من هذا المتخصص الغيور إلا أن صر٠النظر عنها جملةً، وقال: (تÙسير الطبري ÙŠÙقرَأ٠كاملًا كما وضعه مصنÙه، والاختصار ÙŠÙذهÙب بهجته).
قال ذلك مع أنه كثير الدلالة على مختصرات العلوم الأخرى والكتب الميسرة Ùيها، ولكنَّها الغَيرة على عÙرْض٠هذا العلم!
وآخر٠متخصÙّصٌ ÙÙŠ العلم Ù†Ùسه يستغرب أن يكون لتÙسير ابن كثير مختصرات كثيرة، والØال أن الأصل موجود، وكأن مختصرات العلوم الأخرى قد ÙÙÙ‚Ùدت أصولها!
وولع٠المتخصÙّصين بتوعير الطرق الموصلة لعلومهم ليس من بÙدَع المعاصرين منهم، وما نبأ أبي سعيد السيراÙÙŠ (368هـ) عنَّا ببعيد، Ùإنه لما صن٠ÙÙŠ النØÙˆ كتاب (الإقناع)ØŒ وعرض Ùيه النØÙˆ بصورة عذبة ميسرة تغني مطالعه عن استشراØÙ‡ نابذه النÙÙ‘Øاة Øتى قالوا: (وضع أبو سعيد النØÙˆÙŽ على المزابل بكتابه الإقناع)!
ولم يكتÙوا بالمنابذة اللسانية، بل أودعوا كتابه ØÙŠÙّزَ النسيان، وانظرْ: هل تØسÙÙ‘ من كتابه من Ùصل٠أو تسمع له ذكرًا!
*****
هذه نماذج٠لبعض النÙسيَّات الصارÙة٠عن التصدÙّر، المجاÙية٠لمنطق العقل وإكسير الØكمة .. Ùما موقÙ٠طالب٠العلم الشابÙÙ‘ Øيالَ طغيان هذه الآراء المعبَّأة بنÙسيَّات متعددة؟
* على طالب العلم ألا ينكسرَ أمام هذه الآراء المعبَّأة، ولا يهدرَ لخاطر رضاها ملكاته، Ùإن الملكات تنمو وتخبو، ونموÙّها برعايتÙها ÙˆØÙظ٠كرامتها بعدم الركون للوصايا التعبÙّدية اللامعقلنة من أناس٠ربَّما لم ينالوا بعد٠أهليَّة التصدÙّر للØكم على طلاب العلم بعدم التصدÙّر!
* على طالب العلم أن يستØضر أن ذمَّ التصدÙّر المبكÙّر معنًى صØÙŠØٌ، وأنَّ التصدÙّرَ مزلَّة٠قدم، لكن ليوازن استØضاره هذا باستØضار أن الشارع لم ÙŠØظر التصدÙّر المبكر، بل إنما Øظر التصدÙّرَ الÙاقدَ لشرط الأهلية، وعلى ذلك جرت البيئات العلمية ÙÙŠ مختل٠القرون، وما ÙŠÙذكر ÙÙŠ دواوين الطلب وآداب العلم من آثار٠دالَّة٠على ذم التصدÙّر Ùمعناها استعمال٠التريÙّث لا Øسم٠المسارعة إلى الخيرات ما توÙَّر شرطÙها، ونظير ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليلني منكم أولو الأØلام والنهى)ØŒ Ùليس المراد٠به تأخيرَ المتأهلين من الصغار، كما ليس معناه تقديمَ كل ذي Øلم ونهية من الكبار، بل القصد رعاية٠المقصود من أمر الشارع، وهو أن يكون للإمام من ينبهه إذا غÙÙ„ ويخلÙÙ‡ إذا اØتاج.
ÙˆÙÙŠ جانب العلم تجد ÙÙŠ بعض البيئات العلمية صورةً مضادَّةً، ترى الواØدَ منهم يزÙÙÙÙ‘ إلى الناس علومَ من ليس بأهل٠من الكبار سنًّا لا علمًا، وليس ذلك لشيء إلا كونه Ø£Øد طلابه، أو Ùردًا ÙÙŠ Øاشيته (وقد صار للشيوخ ØواشÙ)ØŒ أو يكون من المنتÙعين بهذا الزَّÙÙ‘ØŒ وتراه ÙÙŠ المقابل يزهÙّد ÙÙŠ المتأهلين من طلاب العلم بØجة٠ظاهرÙها كونÙهم شبابًا، وباطنÙها من Ù‚Ùبَلها سَطَوات٠النÙوس!
* على طالب العلم أن ÙŠÙقهَ أن للتصدر مراتبَ، تمامًا كالاجتهاد، Ùشرعنة أصل التصدÙّر لا يعني أن تبلغ هذه المشروعية بطالب العلم غاية المراتب، وكما أن الاجتهاد يتجزَّأ Ùكذلك القول ÙÙŠ التصدÙّر، Ùالتأهل للتعليم لا يعني التأهل للÙتيا، والتأهل لتعليم صغار الطلاب لا يعني التأهل لتعليم كبارهم، والتأهل للكتابة لا يعني التأهل للمØاضرة، وهلم جرًّا.
ووزن طالب العلم لمرتبته ÙŠÙتقر إلى جملة معطيات، من أخصÙّها: مصالØة٠النÙس ومكاشÙتها ÙÙŠ الخلوات، Ùربما رأى Ù…ÙŽÙ† ÙŠØيط٠بالطالب من الأشياخ أهليتَه وهو يرى خلا٠ذلك، Ùليتريَّث .. وربما رأى Ù…ÙŽÙ† Øوله عدم أهليَّته ÙليمتØÙ† رؤاهم ولينظر ÙÙŠ بواعثها، Ùإذا رآها منطقية لانَ لها وسلَّم قياده لإرشادها، ومصالØة٠النÙس من أعون٠ما يدير٠به طالب العلم Øالَه، Ùليتَّق٠الله ÙÙŠ خطواته، ولا يجامÙلْ Ù†Ùسه على Øساب دين الله تعالى.
ومن معطيات وزن طالب العلم مرتبتَه: شهادة٠أشياخه المتجرÙّدين عن Øظوظ النÙس، وكلما كان لطالب العلم شيخٌ متجرÙّدٌ – ولذلك أماراتٌ – كان الطالب Ù…ØÙƒÙŽÙ…ÙŽ المشية واثقَها.
طالبَ العلم .. Ø®Ùذْها من ابن الصَّلاØ:
(من أراد التصدÙّي لإسماع الØديث أو لإÙادة شيء٠من علومه ÙلْيÙقدÙّم تصØÙŠØÙŽ النيَّة وإخلاصَها، ولْيÙطهÙّر قلبَه من الأغراض الدنيوية وأدناسها، ولْيØذر٠بليَّةَ ØبÙÙ‘ الرياسة ورعوناتها.
وقد اختÙÙ„ÙÙ ÙÙŠ السÙّنÙÙ‘ الذي إذا بلغه استÙØÙبَّ له التصدÙّي لإسماع الØديث والانتصاب٠لروايته .. والذي نقوله: إنَّه متى اØتيجَ إلى ما عندَه استÙØÙبَّ له التصدÙّي لروايتÙÙ‡ ونشرÙÙ‡ ÙÙŠ أيÙÙ‘ سنÙÙ‘ كان).